الرجل المريض يتصل بالدكتور بشار الأسد
مقالات و ترجمات, ن, i 1:10 م

جواد الصايغ
ثبّت رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان النظرية القائلة"من يتكلم كثيراً يفعل قليلاً"، فهو كان حتى الأمس القريب ضيفاً ثقيلاً على وسائل الإعلام، يأمر وينهي ويملي، يهدد ويتوعد، يعلن عن قطع اتصالاته بالقيادة السورية طالباً منها الرحيل، يبشر بأن بلاده لايمكنها الوقوف مكتوفة الأيدي إزاء ما يجري في سورية، ينبئ بنفاذ صبره، والنتيجة ينحني ليعاود الإتصال بالرئيس السوري من أجل فتح صفحة جديدة بعد فشل المؤامرة، وانسداد الأسواق أمام المنتجات التركية في أوروبا نظراً للأزمة الإقتصادية التي تعصف بالقارة العجوز.
هي حال الرجل المريض"أردوغان" كر وفر ومواقف متناقضة، دعم القذافي في بداية أحداث ليبيا، ثم عاد ليلتحق بركب الثورة، طالب الشعب المصري باعتماد دستور علماني لدولتهم وعمل على عقد اتفاقية التوأمة مع الإخوان المسلمين، وصل الدور إلى سورية، استبقت تركيا الأحداث، شيدت مخيم هاتاي الذي تبين أنه يأوي مجرمين تلطخت أياديهم بدماء أفراد الجيش والأمن في جسر الشغور، حاولت المساهمة في إيجاد بنغازي ثانية على غرار ليبيا، واكتملت المشهدية ببدء عدها العكسي لسقوط نظام الحكم في سورية، انتظرت آذانها الصاغية الأخبار من دمشق تفيد بمغادرة الرئيس السوري إلى جهة مجهولة، لم تتحقق أمانيها فاختارت الجنوح نحو المخطط الآخر وبعثرة الأوراق، قتل المعارض السوري مشعل التمو، ولكن ظهر ما لم يكن في الحسبان، صدم مراسل صحيفة الغارديان البريطانية أردوغان حين أكد أن الشبهات تحوم حول أن المخابرات التركية تقف خلف اغتيال التمو بقصد تأجيج الإحتجاجات في شمال سورية.
تركيا التي تميزت بحدة لهجتها تجاه سورية، أثبتت أنها غير مؤهلة لخوض "ماراتون في السياسية" وذلك بالنظر إلى الكم الهائل من المشاكل الداخلية والخارجية التي تواجهها، فالعلاقة بين الجيش التركي وحزب أردوغان تسير نحو الأسوأ، بالإضافة إلى سخط شعبي تواجهه حكومة أردوغان بسبب نشرها للدرع الصاروخي، وعدم قدرتها الحصول على اعتذار صهيوني استجدته كثيراً ولم تصل إليه، وخاصرة رخوة ينفذ منها حزب العمال الكردستاني الذي تكثفت هجماته في الفترة الأخيرة، أما خارجياً فالوضع لا يبشر بخيرٍ عداوة تاريخية مع روسيا، وتلويح دولي يقض مضاجع الأتراك بعقوبات لإجبارهم على الإعتراف بالإبادة الأرمنية، وفشل ذريع في محاولة الإمساك بالورقة الفلسطينية.
هو قدر أردوغان دفعه الفشل إلى محاولة لعب دور "مينشكوف" مبعوث القيصر الروسي إلى البلاط العثماني قبيل بدء حرب القرم، والذي تميز بحدة لهجته وخشن طباعه وسوء إدارته للأمور، أردوغان يحاول اليوم العبور إلى جنة الإتحاد الأوروبي الذي يبدو أن الأزمة الإقتصادية بدأت تنال منه تارة بمحاولة إسقاط النظام السوري وطوراً بعقد اتفاقيات تدوير القمامة مع الوجه الآخر لحزبه في مصر ليلفت نظر العالم أنه يمسك بورقة الحركات الإسلامية.