مـن ســيــربــح الــغـــلــيــون ؟؟!! ( قصص قصيرة للأطفال )



بقلم عامر حاتم


يحكى أنّ رجلا و امرأة عجوزين ، عاشا في كوخ فقير حزين ، في بلاد تسمى بلاد الأسوار ، تقبل جبينها الشمس مع كل نهار ، و يحمل ضحكتها القمر و يمنحها أجمل الأسرار ، و قد كانا ينطلقان صباحا إلى الحقول الخضراء ، و يعودان إلى الكوخ حين يسرح الغروب جدائله الشقراء ، ولم يكن فقرهما و عوزهما ، سبب حزنهما و انزعاجهما ، ولكن ما كان يثقل عليهما الهم و الكمد ، أنّ الله – و قد بلغا الكبر – لم يرزقهما بولد ، فابتهلا لله في كل داجية ، أن يجعل عيشتهما راضية ، ويتم عليهما النعمة و البر ، بولد جميل بَـرّ .


و حدث أن أفاقت الزوجة ذات صباح ، تسكن جنبات وجهها الأفراح ، حين أدركت أنها حبلى ، و أنّا الله سينفخ في رحمها روح طفل أو طفلة .


فبشرت زوجها المكروب ، الذي لم تسع مسرات خطوه الدروب ، و أخذ الرجل يداري زوجته العجوز ، التي تخبّئ له في بطنها أغلى الكنوز ، ولما رأت الزوجة ما لم تعهده من غنج و دلال ، أبعدتها عن تواضعها خطرات الآمال ، و قالت لنفسها : إني ما زلت في أوج الشباب و الجمال ، لِـمَ لا أهرب من هذا الكوخ ؟؟ و أهدي طفلي لمن سيغرقني بالمال و الدلال ؟؟؟ و من ثم أرتاح من وجه هذا البائس ، و أتزوج من يقدّر سحر قدي المائس .


و جلس الرجل مع نفسه طويلا ، يتبادل معها قالا و قيلا ، لِـمَ أبقى مع هذي العجوز البدينة ، و أنا ما زلت أجمل رجل في الريف و المدينة ؟ لا بدّ أن أداريها حتى تلد مولودها ، و من ثم أضربها ضربة تكسر عودها ، و حينها أظفر بفتاة غانية ، تزين وجه لحظاتي الباقية ، و أضمر الرجل لزوجته الشر ، و احتفظت هي له بذات السر .


و حين بلغت الزوجة شهر حملها السابع ، مر بالكوخ رجل وقور متواضع ، فسلّم على أهل الدار ، و أخبرهما أنه عالم يعشق الترحال والأسفار ، فرحبا بالضيف الجليل ، الذي سامرهما في الليل ، و حين همّ الزوج يحضّر له الطعام ، تجاذب مع زوجته أطراف الكلام ، و أخبرها أنه عالم بالفلك و المصائر، وما تخبئه مكنونات النفس من خواطر ، فارتبكت الزوجة لكلامه ، وتمنت الفرار من أمامه ، ولكنه رمقها بنظرة العارف الحكيم، و حذرها من كيدها العظيم ، و أومأ أن زوجها يضمر لها ما تضمر ، فلتتق الله في ابنها و لتبصر ، و إن لم تغير نواياها الدنيئة ، سيقع عليها العذاب و تلبسها الخطيئة ، و مهما نأت في البلاد و اجتازت الآفاق ، فإن مولودها سيكون ولدا عاق ، يسكن في بيت ينفث الدخان من ثقبين ، و سيقضي عمره عبدا لدى الجن و الشياطين .


و أكمل الرجل طريقه ، تاركا في قلب الزوجة حريقه ، و بدأت تلوم نفسها بلا هوادة ، حتى جاءها مخاض الولادة ، فأنجبت طفلها على هيئة القرد ، و أدركت أنه سيقضي عمره كالعبد ، و حين رأى الزوج وجه طفله الأسود ، ترك نواياه السيئة و أخذ يصلي و يتعبد ، ولما أدرك عدالة الرحمن ، أسمى طفله : برهان ، فقد خلق ابن سبعة ، و جاء على هيئة بشعة .


و كبر برهان وحيداً ، حتى اشتد عوداً ، و قد فتح له والديه في العلم كل الدروب ، ولكنّهما كانا كَمن يملأ الماء في إناء مثقوب ، فلم يكن برهان ، يشعر أنه إنسان ، بل أحب دائما القفز بين الأغصان ، فقد شعر بداخله أنه قرد جميل أو سعدان ، و كان يركل والديه و يضربهما ، و من هناء العيش يحرمهما ، و ذات يوم و بينما كان معربشاً على شجرة زيتون ، وجد بداخل جوفها قطعة خشبية تسمى ( الغليون ) ، و حين أمسكها بيديه تبخر و طارت به إلى بلاد السوربون .


و بلاد السوربون أودية يسكنها الجن و الشياطين ، و يحكمها العفاريت و الملاعين ، و كانت نبوءة الجن تقول : إن هناك غليونا مأمول ، يسكنه عبد ذليل ، سيهدم لهم بلاد الأسوار ، و يزرع في جنباتها الذل والعار ، إذ لا يرفض طلبا لأسياده ، حتى ولو كان تدمير بلاده ، و كم علاهم الفرح إلى حد الجنون ، حين صار في ديارهم الغليون ، ولكنهم كانوا يعرفون ، أن كثيرا من الجن له يريدون ، و خدماته يطلبون .


كان سيد السوربون رجل طهموز ، ( مسخم البوز ) اسمه : سر الكوز ، انطلق و هو يشعر بقرب مبتغاه ، ليرى قرد الغليون الذي سيحقق له هواه ، و ما إن وصل إلى المكان السري الذي يُخـبّـأ فيه ، حتى شرع يفرك الغليون بيديه ، فخرج منه الدخان ،و ظهر العبد برهان ، فقال : شبيك لبيك عبدك برهان خادم رجليك ، فأحس سر الكوز أن بلاد الأسوار صارت بين يديه ، وقال له بالفرنسية : أنشانتيه ، ثم خاطبه : اسمع يا برهان ، لقد اكتست بالفقر بلاد الجان ، و نحن اليوم ندمر عالم البشر ، و نقنعهم أن ما يجري قضاء وقدر ، كل ما نريده ثروات شعبك و سفك الدماء ، و أن نحول رجاله عبيدا و نساءه إماء ، سنشكل لك مجلسا ، و نضع تحت يديك شياطين الوسوسة ، و نمدك بالمال و السلاح كي لا تبقى مفلسا ، ويجب أن تزور بعض بلاد الجان ، لتدعمك بالعز و السلطان ، ولكن يجب أن تتذكر ، أني سيدك و مولاك الأكبر، فقال له برهان بكل رضا و قناعة : سمعا و طاعة .


ثم مضى برهان المذلول ، إلى أرض استانبول ، و كان يحكمها خادم من خدم الجان ، اسمه رجب ولكن لعبوديته لقبوه : أرض الجان ، فوجد في القرد برهان ، فرصة ليرتاح من ذل الزمان ، فقد مل من العبودية و المهان ، و أراد أن يصير سلطانا عظيما كسلاطين بني عثمان ، فاجتمع مع برهان بالسر ، و قال له : إني سأمدك بالمال و أحميك من الضر ، ولكن كن لي خادما مطيعا ، لأجعل خريف عمرك ربيعا ، فأجابه ساكن الغليون : أنتم أسيادنا و نحن لكم عابدون .


و ما إن مرَّ يومان ، حتى اتصل بالقرد برهان ، عفريت جزيرة القطران ، ذو الأصول الهندية حمدان ، فزاره في دياره الذليلة ، و عرّفه على نساء القبيلة ، وقال له حمدان : سأمنحك النحيلة و الطويلة ، و أهديك الخليلة و الجميلة ، ولكن كن لي خادما مطيعا ، و سأجعل خريف عمرك ربيعا ، فبدأ الغرور يتسرب إلى نفس برهان ، و صمت برهة من الزمان ، فظن حمدان أنه لم يمنحه ما يأمل ، وقال له يا برهان تمهل ، سأعطيك مالا كثيرا و كنوزا ، و إن لم ترضك النساء يمكنك أن تضاجع زوجتي ( موزة ) ، فقال له برهان ، و قد شعر أنه سيد الزمان ، أنت سيدي يا حمدان ، و أنا لك مطرقة و سندان .


و باتت الطلبات على الغليون تضنيه ، هذا يفركه بيديه ، وهذا يعطيه ما لديه ، وهذا يهديه ما يهديه ، فلم يعد أحد يستطيع السيطرة عليه ، تتقاذفه أرجل العفاريت ، و تحاول المسك به أيدي الطواغيت ، حتى بلغ أمره مسامع شيخ لعين ، فاق بمكره و خبثه الشياطين ، و شعر ذاك الشيخ ، أنه بدأ يشيخ ، و أن أسياده الجان ، سيرموه من أجل برهان ، فملأت نفسه الغيرة ، و تملكت عقله الحيرة ، حتى وجد حيلة ماكرة ، يجر بها الغليون إلى الدار الآخرة ، فبعث له يطلبه ، و بشيء عظيم يرغبه ، فمضى برهان إلى ذلك الشيخ الماكر ، و لم يكن يدري ما تخبئه له المصائر ، فنظر إليه الشيخ نظرة من أفلس ، و تلوى كالأفعى من غليونه الأملس ، وقال له : سمعت أنّ عفاريت الجان ، يطلبونك في كل زمان و مكان ، و بأنك خادمهم الوفي ، و عبدهم البهي ، فكيف استطعت أن تلحس عقولهم ، و تنافس أعتى فحولهم ؟؟ ، تعال إلي واقترب لأخبرك سرا عظيما ، يجعلك سيدا أبدا بدل أن تبقى بهيما ، و حين اقترب برهان من الشيخ ، رمى في وجهه سم الزرنيخ ، فتبخر برهان و عاد إلى الغليون ، بيته الأول و مسكنه المأفون ، ثم حار الشيخ أين يرحل فيه و يخبئه ، حتى لا يعود له مكان بين أسياده يتبوّأه ، فأمسك الشيخ الغليون بيديه ، و أخفاه إلى الأبد بين ردفيه ، و بات كأنما المس ابتلاه ، و بات يتسكع في الشوارع حتى جن و تاه ، و كتب أحد الناس على ظهره ، ليبين للناس أمره : لا تعجب من شيخ جن و تاه ، فالغليون يسكن في قفاه

أخبار ذات صلة



0 التعليقات for مـن ســيــربــح الــغـــلــيــون ؟؟!! ( قصص قصيرة للأطفال )

إرسال تعليق

أدخل بريدك واشترك معنا بالنشرة الإخبارية:


.

syria a2z news (c) 2011 All Rights Reserved