كتب حاتم صادق خربيط: اعتراف أميركا بشعبية الرئيس
مقالات و ترجمات, ن, i 12:42 ص
كانت مفاجأة حقيقية أن تعترف الصحافة الأميركية أن شعبية الرئيس بشار الأسد في سورية مازالت كبيرة بعد سنوات توجتها بأحاديث خلال الأشهر السبعة المنصرمة من هذا العام عن تراجع شعبيته نهائيا، ما اعتبرته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بفراستها التي تنافس فراسة رئيسها باراك أوباما مبرراً لمطالبته بالتنحي وتسليم الحكم في سورية إلى عملاء الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا و"إسرائيل" الذين لم يتعبوا من عقد المؤتمرات وتشكيل المجالس والهيئات والمكاتب واللجان وإصدار البيانات، ليعيثوا فسادا في سورية الوطن والشعب تنفيذا لمخططات محركيهم ومموّليهم ما دامت جيوبهم تمتلئ بالمال الملطخ بدم السوريين.
ولسنا بصدد مناقشة إن كان هذا الاعتراف الأميركي المفاجئ جاء بعد مشاهدة المسيرة المليونية التي شهدتها ساحة السبع بحرات في دمشق يوم الأربعاء الماضي، أم نتيجة الإدراك أن الحرب الكونية التي دعمتها الولايات المتحدة وأوروبا بكل الإمكانات المادية والوسائل الإعلامية والإجرامية متجهة نحو الانحسار والانهيار النهائي بفعل وعي ولحمة السوريين ودفاعهم الشرس عن وطنهم ورئيسهم ووحدتهم الوطنية ضد قوى التآمر التي بذلت جهودا جبارة وأنفقت أموالا هائلة على شراء النفوس وتسليح وتدريب المجموعات الإرهابية الدينية المتطرفة لتدمير سورية وقتل أبناء شعبها وخاصة من الجيش والأمن وقوات حفظ النظام بوحشية يندى لها جبين من لديه حس إنساني.
أما عدم الرغبة في مناقشة هذا الاعتراف فلأنه أساسا لا يهمنا كسوريين، لكن من باب خبرتنا الطويلة بالسياسة الأميركية والساسة الأميركيين نجد أنفسنا مطالبين بالبحث عما وراء هذا الاعتراف، وهو أمر يتجاوز دعوة السيدة كلينتون أنصار الرئيس إلى التظاهر ضد رئيسهم لأنها تعرف مسبقا أن أحدا من السوريين المؤمنين بوطنهم وقيادتهم والمتطلعين إلى إصلاحات حقيقية شاملة تضمن لهم حقهم في العيش في دولة ديمقراطية مدنية تعددية ومجتمع موحد متحضر لن يستجيب لدعوتها المشبوهة هذه، كما أننا مطالبون بأن نستعيد المواقف الأميركية العدائية ضد سورية منذ عدة عقود، ونركز على مخططاتها العدوانية ومؤامراتها التي ازدادت عنفا ضد الشعب السوري قبل قيادته بعد اغتيال رفيق الحريري الذي تؤكد كل المعطيات أن "إسرائيل" والولايات المتحدة الأميركية ليستا بريئتين من دمه ودم من كانوا معه وأيضاً دم ضحايا الاغتيالات الأخرى المتتالية في لبنان التي اتهمت فيها زورا وبهتانا سورية ثم المقاومة اللبنانية لأنهما وعملاؤهما المستفيدون الوحيدون من نتائج ما حدث.
وبربط الأحداث ببعضها في محاولة لتقريب صورة الحالة الصعبة التي تعيشها سورية منذ عدة شهور نعود إلى زيارة السفير الأميركي إلى رئيس هيئة التنسيق المعارض في مكتبه قبل اعتراف الصحافة الأميركية ثم تصريحات الأخير الصحفية التي أعلن فيها بحدة أنه أبلغ السفير رفض الهيئة وما تمثله من أحزاب وشخصيات تطلق على نفسها معارضة الداخل الوطنية التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية السورية في محاولة لإظهار نفسه كبطل وطني في مواجهة السفير، ونحن هنا لا نتهم لكن المصادر المطلعة على الزيارة المرتبة أشارت إلى أنها تضمنت حواراً ودياً أفضى إلى اتفاق غير معلن على أن سياسة الخطوة خطوة الأميركية المعروفة يمكن أن تنجح في خداع الشعب السوري الذي لا تحظى معظم أحزاب وهيئات وشخصيات المعارضة في الداخل والخارج إلا بأدنى مستوى من القبول بين أفراده، وبالتالي تسويق مجلس اسطنبول المرفوض تماما من السوريين بكل أطيافهم، وعليه أعلن هذا الرئيس في لقاء مع إذاعة شام إف إم بثته الأربعاء الماضي أن المجلس يضم بعض المخلصين ويمكن التعامل معه، ورأى المتابعون أن هذا الكلام تمهيد لخطوة ألمح إليها سابقا، وهنا يمكن التقاط خيوط المؤامرة التي تديرها الأصابع الأميركية الإسرائيلية والدور الموكل إلى بعض معارضي الداخل والخارج للوصول إلى أهدافها المحددة.
ومع قناعتنا أن المعارضة الوطنية مطلوبة وتمثل جانبا ضروريا في الحياة السياسية السورية حاضراً ومستقبلاً إلا أن اعتبار مجلس اسطنبول يمثل المعارضة السورية برأي رئيس الهيئة ورفضه الاعتراف بوجود جماعات مسلحة تقتل وتخرب، واعتبارها ردة فعل شعبية على عنف الجيش والأمن مع إصراره على استخدام عبارة الانتفاضة الشعبية والثورة السورية السلمية في المدن التي شهدت أكبر نسبة من جرائم الإرهابيين بحق الجيش والأمن "السلمي" وإطلاق سراح المعتقلين، وكأنه بذلك يطالب بتسليم الوطن إلى الغوغاء والمندسّين والعملاء ما يثبت أن بعض المعارضة السورية في الداخل والخارج لا علاقة لهم بالمعارضة الوطنية الإيجابية بدليل أنهم يمارسون سياسة الإقصاء ضد كل ما له علاقة بالسلطة حتى الإعلام كما حدث في مؤتمراتهم، ويرفضون الحوار مع السلطة تحت أي سقف إلا بشروطهم التعجيزية ويعتبرون الإصلاح خدعة حكومية لتمرير الوقت وهم بذلك يمارسون ما كانوا يشكون من ممارسة السلطة له في الماضي ضدهم.