خبراء استراتيجيون: أداء الجيش السوري كان رائعا.. وما تفعله تركيا سيرتد على وضعها الداخلي




أكد الخبيران في الشؤون الاستراتيجية العميد المتقاعد أمين حطيط والعميد المتقاعد وليد زيتوني أن ما يحدث في سوريا منذ آذار الماضي هو خطة مرسومة بدقة, حدها الأدنى إضعاف السلطة الموجودة، أو تطويعها كي تصبح خاضعة للمشروع الأميركي عبر استخدام مجموعات مسلحة، إلا أن المخطط لم ينجح لعوامل أساسية هي تماسك الشعب السوري وعدم استجابته للدعوات الطائفية، وتماسك الجيش السوري إضافة إلى التماسك السياسي للقيادة، وبالنظر إلى الدعم الروسي والصيني لسوريا، أكد الخبيران أن عصر البلطجة الأميريكة قد انتهى.


ويشرح حطيط أن الخطة التي اعتمدتها الأنظمة الغربية بالتعاون مع إسرائيل وبعض الدول العبية وتركيا لزعزعة الاستقرار في سورية ارتكزت على ثلاث فئات: الأولى ترتبط بمجموعات في المملكة العربية السعودية وكان ميدان عملها الأساسي الجنوب السوري, ورأس حربتها الشيخ العرعور وهو رجل فار من بلده سورية لاتهامه بجريمة أخلاقية.


أما الفئة الثانية فتسلمت زمام الأمر في الوسط والشمال وهي مجموعة سلفية مرشدها الروحي الشيخ القرضاوي وهي تسعى للثأر من النظام في سوريا على خلفية أحداث حماه عام 1983. وسلم أمر قيادتها السياسية لرئيس الورزاء التركي ارودغان في حين تولت قطر الدعم المالي والإعلامي. والفئة الثالثة وهي لم تكن متبناة من أي طرف خارجي وتضم في صفوفها أكثر من طيف أو فئة وهي اعتمدت منطق الإحتجاج السلمي بعكس الفئتين السابقتين اللتين كانتا محضّرتين للانطلاق في عمل عسكري مسلح.


يضيف حطيط أن خطة إسقاط القيادة في سوريا التي وضعها المايسترو الغربي تدرجت في مراحل أربعة وهي أولاً محاولة تحريك الشعب ضد النظام, وعُوّل في ذلك على خروج ثلث الشعب السوري على الأقل للتظاهر في الأسابيع الأربعة الأولى ولكن ذلك لم يحدث. فالشعب لم يستجب وعدد الذي خرجوا للتظاهر كان قليلاً جداً نسبة إلى مجموع الشعب في سورية.


تبعاً لهذا الفشل تم الإنتقال إلى المرحلة الثانية وهي استعمال السلاح, وهذه المرحلة كان نصيبها الفشل أيضاً، اذاً أن السلاح الذي كان مخططاً له أن يستعمل في ظل أجواء عارمة من الفوضى تسود سوريا، بعد تهيئة الأجواء لذلك، لم يستطع أن يخرق أكثر من جزر أمنية حدودية لها ارتباط مع الخارج. وهو لم يستطع إنتاج أكثر من رؤوس جسور في بعض المناطق ولكنه فشل في ربط رؤوس هذه الجسور ببعضها بعضاً لتشكل قطاعاً خارجاً عن الدولة يمتد من درعا إلى دوما ثم إلى حمص قبل أن يتم الإنتقال إلى بانياس وجسر الشغور وأخيراً الى حماه، ثم وصْل هذه المناطق ببعضها بعضاً مما ينتج عنه شطر سوريا إلى نصفين وهذا يعني واقعاً تقسيم سوريا، وشق الجيش وتفتيت النظام المركزي، والشروع بعد ذلك في إنتاج السيناريو الليبي بكامل مندرجاته على الأرض السورية.


يضيف العميد حطيط: إزاء هذا الفشل في مسألة ربط رؤوس الجسور ببعضها بعضاً بدا واضحاً أن مشروعهم إلى انهيار. وقد عبروا عن انهيارهم بانتقالهم إلى عمليات غير مدروسة كعملية حماه وهي جزيرة معزولة ومطوقة ولا يستطيعون الإستمرار فيها أو من خلال فبركات إعلامية غير مسبوقة عبر قناتي الجزيرة والعربية.


ولم يحدث في تاريخ الإعلام أن قامت قناة إعلامية ببناء مسارح لتمثيل أحداث لا تمت إلى الحقيقة بصلة كما فعلت قناة الجزيرة في الدوحة, لتشويه صورة القيادة في سوريا.


ويرى العميد حطيط أن هذا الفشل كان السبب الرئيس للإنتقال إلى تنفيذ عمليات إجرامية وإرهابية ضد المواطنين والعسكريين وذلك بهدف الترويع والإنتقام من جهة, ولمحاولة استثمارها في الخارج من جهة أخرى، لزيادة العقوبات الاقتصادية وفرض الحصار السياسي بهدف تخويف القيادة.


وهنا أيضاً يرى حطيط أن المجموعات المسلحة اصطدمت بأمرين اثنين: الأول هو أن هذه العمليات واجهها الجيش السوري بصلابة وكان أداؤه العسكري على الأرض رائعاً فهو لم يستعمل القبضة الثقيلة التي عادة ما تنتج مآسيَ, بل استعمل العمليات السريعة والنوعية التي تشبه الجراحة بالمنظار.


والأمر الآخر قيام تكتل دولي بقيادة روسيا والصين داعم لسورية ورافض للتدخل في شؤونها والذي كان لإيران أيضاً دور محوري فيه عبرت عنه عبر إنذار حازم لتركيا من مغبة الإعتداء العسكري على سوريا.


ويرى حطيط أن الموقف الروسي والصيني - وهو دفاعي بالدرجة الأولى - نابع من معرفة أكيدة لهما بأن سقوط سوريا بيد الولايات المتحدة والغرب يعني عزلهما دولياً من قبل الولايات المتحدة والغرب ولفترة طويلة.


العميد حطيط يضيف أن ما زاد المؤامرة على سوريا فشلاً هو التماسك الذي ظهر عليه الجيش السوري، وبعض الذين يتحدثون عن انشقاقات في صفوف الجيش لا يفقهون في الأمور العسكرية. فبعض حالات التخلف والفرار في هكذا ظروف لا تعتبر انشقاقاً ففي حالات مماثلة تضع الجيوش في حساباتها أن تصل حالات التخلف والفرار إلى عشرة بالمئة من عديد الجيش ولكن في سوريا هذه الحالة هي أقل من واحد بالمئة، والسفير الاميركي في سوريا روبرت فورد قال في شهادته أمام الكونغرس "لقد فوجئنا بصلابة الجيش السوري وتماسكه"، أضف إلى ذلك وعي الشعب السوري لطبيعة ما يجري، فهو لم يقع في فخ الإقتتال الطائفي كما كان مخططاً له.


ومما صعب الأمر أيضاً على المتآمرين، بحسب حطيط، تماسك النظام السياسي في سوريا, فخلال ستة أشهر لم يخرج موظف واحد في بعثة ديبلوماسية سورية ليعلن انشقاقه، إضافة إلى القيام بتسريع وتيرة الإصلاحات مما خلق ارتياحاً عاماً في أوساط الشعب السوري.


يضيف حطيط أنه مع دخول الجيش السوري إلى منطقة الرستن انتهت مرحلة المناطق الآمنة للمسلحين، وبدأت سوريا الدخول في مرحلة جديدة عنوانها الفشل النهائي للمؤامرة. وما يقوم به المسلحون اليوم هو عمليات على الطريقة الصهيونية تتمثل بقتل النخب العلمية والفكرية والشخصيات الوطنية، وذلك في محاولة لكسب الوقت والقول إن المسألة لم تنته بعد، وخاصة أن "هذه النخب تمثل عنصر قوة للنظام وهي بقيت معه، والمجموعات المسلحة كانت تتوقع ارتداداها عليه مع بدء الأحداث الامنية".


ويخلص حطيط إلى أن هناك شكوكاً قوية جداً بدور للموساد في كل ماجرى من أحداث في سورية وخاصة قتل العلماء والأطباء, كما حدث في العراق حيث تمت تصفية الغالبية العظمى من علماء الذرة, وكما يحدث في إيران من عمليات قتل مماثلة.


مقابل ذلك يرى حطيط أن القوى الأمنية السورية أصبح دورها معقداً أكثر كونها أصبحت تبحث عن مجرمين. وهذا يستلزم جهداً امنياً أكبر وتعاوناً من الشعب أيضاً.


الباحث في الشؤون الاستراتيجية العميد المتقاعد وليد زيتوني يرى من جهته أن ما يحدث في سورية منذ آذار الماضي هو خطة مرسومة بدقة, حدها الأدنى إضعاف السلطة الموجودة، أو تطويعها كي تصبح خاضعة للمشروع الأميركي. والمشروع الأميركي في المنطقة له أهداف متعددة: منها الأمني المتعلق ببقاء "اسرائيل"، ومنها الإقتصادي المتعلق بمنابع النفط ومرور أنابيبه وأنابيب المياه بين الخليج العربي وتركيا، ومنها السياسي المتعلق بالمسألة الفلسطينية. وسوريا في المسارات الثلاثة تشكل عقدة الربط والحل. لذا كان من الطبيعي أن يلجأ صاحب المشروع ومقاولو المشروع لمحاولة فك العقدة الأساس، وضرب السلطة القائمة التي تمتلك آلية الحل والربط.


زيتوني يرى أيضاً أنه بعد فشل المرحلتين, الأولى التي اعتمدت النموذج المصري التونسي، والثانية التي استوحت النموذج الليبي بتشكيل بؤر خارجة على النظام وتوسيعها لتشمل كل الأراضي السورية، بعد فشل النموذجين السابقين لجأت الولايات المتحدة والمتعاونون معها إلى تطبيق النموذج التي اعتمد في لبنان في تطوير الأحداث ورفع وتيرتها، فأ صبحت الاغتيالات محطات في سياق الوصول إلى أهداف سياسية، أهمها تحريك الشارع وإيجاد شروخ في الحالة الأمنية وعلى المستوى الشعبي لتحقيق الفوضى البناءة.


وفي هذا السياق يرى العميد زيتوني أن روسيا والصين كان لهما دور أساس في إفشال النموذج الليبي الذي كانت دول التحالف الغربي تريد تطبيقه على سورية فكان الفيتو الأخير في مجلس الأمن تأكيداً مشتركاً على أن الدولتين الكبريين لن تسمحا بتكرار النموذج الليبي في سوريا، وهي رسالة قوية جداً للمجتمع الدولي بأن عصر "البلطجة الأميركية" قد انتهى, وبالتالي لا يمكن الإستمرار بالنظام العالمي الواحد، المتفرد بالقوة العسكرية والاقتصادية، وهذا يستتبع البحث عن نظام عالمي جديد يؤمّن الحد الأدنى من الإستقرار والسلم العالمي. وعلى ضوء هذا الفيتو، وحسم الوضع الامني الداخلي في سوريا، ستشجع روسيا المعارضة الوطنية على الانخراط الجدي في ورشة الإصلاحات.


وعن التهديدات التركية بإقامة منطقة عازلة على الحدود مع سورية يقول العميد زيتوني إن تركيا لها مصلحة مباشرة في الأحداث السورية، فهي المستفيدة من مرور النفط والغاز إلى اراضيها، وتصدير المياه إلى الخليج مقابل النفط, بالإضافة إلى أحلام السلطة الإسلامية الحالية، الطامحة إلى استعادة مجد السلطنة العثمانية. ولكن تركيا تعاني من مشاكل اقتصادية، ومشاكل اجتماعية نتيجة بنيتها غير المنسجمة، ومشاكل سياسية في علاقتها بالاتحاد الأوروبي والمسألة القبرصية، ومشاكل أمنية فيما يتعلق بالأكراد.


ويضيف زيتوني أن سياسية الهروب إلى الأمام التي تتبعها تركيا في الضغط على سوريا ستنعكس على وضعها الداخلي، وستواجه صعوبات جمة، وقد يكون ذلك فرصة مناسبة للمعارضة التركية الداخلية، لتغيير السلطة الحالية والعودة إلى ما قبل الحالة الإسلامية الحاكمة حالياً, لذلك فإن مشروع المنطقة العازلة يمكن أن يقوم مع مناطق عازلة أخرى في الأردن والعراق ولبنان، وهو مشروع اكبر مما يحدث الآن، ولكنه قد يؤدي إلى حرب إقليمية إذا لم تكن أكبر وهو ما لا تستطيعه الولايات المتحدة والغرب و"اسرائيل" في الوقت الحاضر.


ويخلص العميد زيتوني إلى القول إن الاغتيالات في سوريا التي حدث مؤخراً هي دليل على الإفلاس وفشل المؤامرة وهي تستهدف البنية العلمية السورية لاضعاف قدرتها على التطور. وهو أسلوب غربي – اسرائيلي قديم, وأيضاً ترك سوريا في حالة من الضياع إلى حين الفرصة المناسبة للانقضاض عليه من قبل الذئب الغربي، لكن يبدو أن الدب الروسي بالمرصاد.

أخبار ذات صلة



0 التعليقات for خبراء استراتيجيون: أداء الجيش السوري كان رائعا.. وما تفعله تركيا سيرتد على وضعها الداخلي

إرسال تعليق

أدخل بريدك واشترك معنا بالنشرة الإخبارية:


.

syria a2z news (c) 2011 All Rights Reserved