الحدث العسكري التركي على الخط السوري
إعلام, مقالات و ترجمات, i 1:25 ص
موقع الجمل:
شهدت الساحة السياسية التركية يوم أمس الجمعة تدهوراً جديداً في ملف توازنات العلاقات المدنية ـ العسكرية، بما أدى إلى قيام كبار جنرالات المؤسسة العسكرية التركية بتقديم استقالاتهم مطالبين السلطات الحكومية المدنية التركية المنتخبة حديثاً بضرورة إعفائهم من أداء مهام مناصبهم العسكرية: فما هي خلفية هذه الاستقالات الجماعية، وما هي المحفزات غير المعلنة التي أدت إلى التصعيدات المدنية ـ العسكرية الجارية حالياً في تركيا؟
* المؤسسة العسكرية التركية: توصيف المعلومات الجارية
تواترت التقارير التي بدأت الظهور بالأمس وصباح اليوم وهي تسعى لتوصيف وتحليل موقف قيادة المؤسسة العسكرية التركية الجديد، والذي تضمن الآتي:
• قيام رئيس هيئة أركان الجيش التركي العامة الجنرال إيزيك كوسانير بتقديم استقالته عن مهام منصبه.
• قيام قائد القوات البرية التركية الجنرال إيردال سيلان أوغلو بتقديم استقالته عن مهام منصبه.
• قيام قائد القوات البحرية التركية الأدميرال إيسريف أوغور ييغيت بتقديم استقالته عن مهام منصبه.
• قيام قائد القوات الجوية التركية الجنرال حسن أكساي بتقديم استقالته عن مهام منصبه.
هذا، وأشارت التقارير إلى قيام رئيس الوزراء التركي بعد تسلمه الاستقالات وطلبات الأعضاء، على الفور بإعلان تكليف قائد قوات الدرك العسكري، الجنرال نجدت أوزيل، بالقيام بتولي منصب رئيس الأركان المكلف بتصريف أعباء رئيس الأركان العامة التركية، وأضافت التقارير بأن الجنرال نجدت أوزيل قد سبق أن صادق الرئيس التركي عبد الله غول على تعيينه في منصب قائد القوات البرية التركية، وتأسيساً على ذلك، فمن الممكن لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أن يقوم بتعيينه في منصب رئيس الأركان العامة التركي كمكلف بتصريف أعباء المنصب إلى حيث يتم البت رسمياً ودستورياً في التعيينات والتكليفات القيادية العسكرية الجديدة والمتوقع إجراءها خلال انعقاد فعاليات اجتماع المجلس العسكري التركي المحدد لها البدء في مطلع شهر أغسطس (آب) 2011م.
* القيادة العسكرية التركية: محفزات الموقف الجماعي
تقول المعلومات بأنه مع اقتراب اجتماع المجلس الأعلى العسكري التركي المحدد له يوم 1 آب (أغسطس) 2011م، فقد صدر قرار مفاجئ بواسطة المدعي العام التركي، طالب فيه باعتقال مسؤول عسكري كبير هو الجنرال حسين نصرت تاسديلير قائد جيش منطقة إيجه، وعلى خلفية توتر علاقات قيادة المؤسسة العسكرية مع الحكومة التركية بسبب أزمة الضباط المعتقلين تحت طائلة التحقيق والاتهام بالتورط في عملية أرغيناكون، وعملية المطرقة، فقد تزايدت مشاعر الغضب في أوساط القيادة العسكرية الأمر الذي دفعهم بعد بضعة ساعات من صدور قرار المدعي العام بتقديم الاستقالات للحكومة التركية، هذا، وأشارت التقارير إلى العديد من الأسباب، يمكن توصيفها على النحو الآتي:
• أسباب معلنة: وتتضمن الآتي:
ـ تزايد رفض المؤسسة العسكرية لعمليات وضع العسكريين الأتراك تحت طائلة الاعتقال والتحقيق بواسطة الأجهزة المدنية.
ـ إعلان رئيس الأركان التركي الجنرال إيسيك كوساتير بأنه أصبح غير قادر على حماية عناصر الجيش الذين يعملون تحت إشرافه، وبالتالي فهو يفضل الاستقالة والتخلي عن منصبه.
ـ إعلان كل من قائد القوات البحرية، وقائد القوات الجوية، وقائد القوات البرية، عن تخليهم عن مناصبهم لنفس الأسباب التي دفعت رئيس الأركان إلى الاستقالة والتخلي عن المنصب.
• أسباب غير معلنة: وتتضمن الآتي:
ـ إدراك رئيس الأركان وقائد القوات البحرية، وقائد القوات الجوية، وقائد القوات البرية بأن اجتماع المجلس الأعلى العسكري التركي سوف يسفر عن المزيد من النتائج التي لن تصب في مصلحتهم، إضافة إلى إنهاء خدماتهم في قيادة المؤسسة العسكرية.
ـ إدراك رئيس الأركان وقادة القوات المناصرين له، بأن صعود حزب العدالة والتنمية الإسلامي للمرة الثالثة على التوالي، مصحوباً ومسنوداً بالدعم الشعبي الكبير، سوف لن يترتب عليه سوى المزيد من دعم وتلميع عناصر وضباط المؤسسة العسكرية التركية المناصرين للتيار الإسلامي.
ـ إدراك رئيس الأركان وقادة القوات المناصرين له، بأن أنقرا سوف تسعى خلال مرحلة ما بعد اجتماع المجلس الأعلى العسكري لجهة القيام بعمليات تطهير واسعة النطاق لعناصر المؤسسة العسكرية ـ الأمنية التركية، المناصرين للتوجهات العلمانية والتوجهات القومية الاجتماعية.
تقول المعلومات والتسريبات بأن السلطات التركية تعتقل حالياً حوالي 250 ضابطاً تركياً معظمهم من ذوي الرتب العسكرية العالية، وقد فشلت كل محاولات هيئة الأركان التركية لجهة القيام بتحويل ملف اعتقالهم والتحقيق معهم للأجهزة العسكرية بدلاً عن الأجهزة المدنية.
* ماذا وراء كواليس الحدث المدني ـ العسكري التركي؟
تبدو مفاعيل الحدث المدني ـ العسكري التركي الدراماتيكية التي حدثت بالأمس، وكأنما هي مجرد رد فعل لجملة من الأسباب المعلنة وغير المعلنة، المرتبطة بتوترات علاقات خط هيئة الأركان والحكومة التركية، ولكن، يبدو المشهد التركي، وهو يحمل المزيد من الدلالات ذات الفائدة والقيمة العالية في فهم وإدراك طبيعة الحدث، وفي هذا الخصوص يمكن إبراز هذا البعد من خلال قراءة الحدث مع الأحداث الموازية التي تكشف الجزء الهام، وهي:
• الحدث السوري ـ التركي: سعت قيادة حزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي إلى مؤازرة الاحتجاجات السياسية السورية التي قادتها جماعة الإخوان المسلمين السورية، وذلك على خلفية إدراك أنقرا بأن الحدث السوري يتيح المزيد من الفرص الجديدة لجهة استعادة مكانة أنقرا الرائدة في العالم الإسلامي ومنطقة الشرق الأوسط. وتأسيساً على ذلك، فقد سعت أنقرا إلى التفاهم مع خصوم دمشق الدوليين وعلى وجه الخصوص أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن، لجهة العمل من أجل قيام القوات التركية بالتدخل في منطقة شمال سوريا وإقامة منطقة عازلة تحت ذريعة حماية السكان المدنيين. إضافة إلى حماية تركيا من موجات تدفق اللاجئين. ولكن ما كان مفاجئاً لأنقرا تمثل في موقف القيادة العسكرية التركية الرافض لهذه العملية، على أساس اعتبارات أنها سوف لن تؤدي سوى إلى تصعيد المخاطر المهددة للأمن التركي: حزب العمل الكردستاني سوف يجد فرصة تصعيد عملياته ضد تركيا ـ موجات اللجوء سوف ترتفع بمعدلات أكبر ـ الجيش العربي السوري ليس صيداً سهلاً. وبالتالي فإن الجيش التركي سوف يواجه مصاعباً حقيقية في سوريا.
• الحدث الأمريكي ـ التركي: شهدت العلاقات الأمريكية ـ التركية تقارباً أكثر عبر عمليات العدوان الدولي المتعدد الأطراف الجارية حالياً ضد ليبيا، وتزايد حرارة هذه العلاقات أكثر فأكثر بسبب بروز توجهات أنقرا الأخيرة غير الودية إزاء دمشق. وفي هذا الخصوص سعت واشنطن ولندن وتل أبيب، لجهة دعم جهود أنقرا في استضافة فعاليات المعارضة السورية، إضافة إلى قيام وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون بزيارة أنقرا خلال انعقاد فعاليات اجتماع المعارضة السورية وإطلاقها تصريحاً دعت من خلاله واشنطن أنقرا للقيام بدور القائد الإقليمي الشرق أوسطي إضافة إلى التأكيد بأن واشنطن سوف لن تتردد في دعم مثل هذا الدور الهام الجديد لأنقرا.
• الحدث السعودي ـ التركي: تقوم حالياً بعض القطع البحرية التركية بزيارة لموانئ السعودية المطلة على ساحل البحر الأحمر، وتحديداً ميناء جدة، وتقول المعلومات والتسريبات على المستوى المعلن بأن هذه الزيارة جاءت بسبب مرور قطع البحرية التركية الروتيني عبر البحر الأحمر حيث تشارك البحرية التركية في الحشد العسكري البحري الدولي الموجود لأغراض مكافحة القرصنة في مناطق خليج عدن وبقية المناطق البحرية المطلة على السواحل الصومالية، ومضيق باب المندب، ولكن، على المستوى غير المعلن، تشير هذه الزيارة إلى وجود فعاليات تعاون عسكري سعودي ـ تركي، جارية وسوف تزداد وتائرها بقدر أكبر خلال الفترة القادمة، وذلك لأن الجيشان، يعتمدان على التسليح الأمريكي ـ الغربي، واعتماد المذهبيات العسكرية والقتالية الأمريكية، إضافة إلى ارتباط أداءهما السلوكي بفعاليات عمل المنظومات العسكرية الأمريكية المنتشرة في سائر أنحاء العالم، وإلى ارتباط الجيش التركي بفعاليات حلف الناتو، وفعاليات القيادة العسكرية الأمريكية الأوروبية، وفعاليات القيادة العسكرية الأمريكية الوسطى، ومن الجدير بمكان الإشارة إلى أن ارتباط الجيش السعودي بفعاليات القيادة الوسطى الأمريكية المتمركزة في قطر، وارتباط الجيش التركي بفعاليات نفس هذه القيادة، هما ارتباطان يشكلان حلقة الارتباط العسكري العملياتية الرئيسية التركية ـ السعودية والتي سوف تزداد فعالياتها أكثر فأكثر بسبب وقوعها تحت مظلة الرعاية الأمريكية.
إذاً، سوف تنعقد فعاليات اجتماع المجلس الأعلى العسكري التركي في يوم 1 آب (أغسطس) 2011م، وسوف تظهر بعد المداولات نتائج تعيين القيادات العسكرية الجديدة، والتي بدأت معالمها الأولى أكثر وضوحاً من خلال عدم قيام الجنرال نجدت أوزيل قائد قوات الدرك العسكري، الذي تفادى ممتنعاً عن مؤازرة موقف رئيس الأركان وبقية كبار القادة، مفضلاً أن يتولى منصب المكلف بتصريف أعباء رئيس هيئة أركان الجيش التركي. وإضافة لذلك سوف تتضح طبيعة وأبعاد عمليات إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية ـ الأمنية التركية.
التي ستقوم بها حكومة حزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي، وفقاً لمذهبية العمق الاستراتيجي التي وضع أسسها العامة الوزير أحمد داوود أوغلو، والتي بالطبع سوف تسعى لجهة التأسيس لتحالف شرق أوسطي واسع النطاق، سوف يجمع بين الأطراف المعنية بإعادة إنتاج الخلافة العثمانية. ولكن ضمن نسخة جديدة، "تختلف عن سابقتها.. ولا تخرج عنها".