(الثورات) في الشرق الأوسط من وجهة نظر إسرائيلية....يادلين: تحركات الشارع العربي توحي بأنه يدرك أن «إسرائيل ليست مشكلته الأساسية»


رغم تأثرها المباشر بما يحدث في العالم العربي من ثورات واحتجاجات، تظل الرؤية الإسرائيلية لما يجري حولها مشوبة بالتمنيات ومحاولات التأثير الخفية بل توجيهه ليصب في مصلحتها أولاً وأخيراً.. اللواء (احتياط) عاموس يدلين ألقى في معهد واشنطن محاضرة حول الأمن في الشرق الأوسط. واللواء يدلين تقاعد مؤخراً بعد أن خدم في الجيش الإسرائيلي فترة دامت أكثر من أربعين عاماً، شغل خلال السنوات الخمس الماضية منصب رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية.

يدلين اعتبر أنه على الرغم من أن «الربيع العربي» هو بلا شك أهم حدث وقع في الشرق الأوسط منذ السبعينيات من القرن الماضي -- وله أهمية كبرى لإسرائيل -- إلا أننا لا نفهم مساره حتى الآن. ومن المبكر جداً التنبؤ بتبعات الانتخابات المصرية، أو الحرب في ليبيا.
ورأى يدلين أنه من أجل تقييم التبعات المترتبة عن الثورة التي تجتاح المنطقة، يجب أن نحلّل كل دولة على انفراد. وعلينا ألا نفترض أن تأثير الدومينو سوف يترسخ، لأن كل دولة تواجه تحديات وانقسامات وسياقات تاريخية مختلفة. وعلى حين تعاملت بعض الدول مع التظاهرات بإقالة مسؤولين، أرسلت أخرى قوات عسكرية إلى الشوارع.
وأكد يدلين أن هناك خلافاً أساسياً حول الأفكار المفاهيمية للثورة. ومن المرجح أن يقوم كل من تنظيم «القاعدة» وطهران بوصف «الربيع العربي» بأنه انتصار «للثورة الإسلامية». ومع ذلك، فلعل التصور الأكثر دقة هو ذلك الذي تحمله الشعوب العربية والمتمثل بتطلعها إلى العدالة، والحرية، ومستقبل أفضل. وبطبيعة الحال، تحتاج الديمقراطية إلى بعض الوقت لكي تتطور، ويحق للعرب وضع خطط لنماذج ديمقراطية تناسب تاريخ بلادهم الخاص وتقاليدها.
وحتى الآن، يبقى «الربيع العربي» ثورة بلا قيادة، ولا يزال العالم ينتظر ظهور أولئك القادة الذين سيحددون مستقبلها. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن عدداً من البلدان قد انضم إلى «الربيع العربي» لكن ليس لديها الحماسة للقيام بثورة فعلية. وبالفعل، دفعت لبنان، والعراق، والشعب الفلسطيني ثمناً باهظاً عن المواجهات التي دارت بين فصائلها المحلية وهذه الشعوب ليست على استعداد للتضحية باستقرارها عن طريق تجديد هذه الاضطرابات.
ويرى يدلين أنه من الناحية التاريخية، تحتوي ثورات سابقة على العديد من الدروس والتحذيرات. أولاً، أن الثورات يمكن خطفها كما حدث في فرنسا عام 1789، وروسيا عام 1917، وإيران عام 1979. وفي مثل تلك الحالات، غالباً ما تكون الموجة الأولى من الثورة بمثابة انتفاضة شعبية مستوحاة من النيات الحسنة، وقد تجلب الموجة الثانية زعيماً يبرهن أنه حتى أكثر قمعية من النظام الذي سبقه. ومن ثم، يجب أن نكون حذرين من ألا تكون الموجة الثانية من «الربيع العربي» ثورة مضادة.
ثانياً: إن التغيير الجوهري قد يصبح ظاهراً فقط على المدى البعيد. فعلى الرغم من أن «ربيع» عام 1968 في أوروبا كان قد أخفق على المدى القريب، إلا أن الأفكار الليبرالية والوطنية التي وُلدت من تلك الحركة قد أثرت في مسار التاريخ الأوروبي طوال القرن العشرين.
ثالثاً، أن تحليلاتنا وتوقعاتنا يجب أن تأخذ في الحسبان رواية النفوذ الذي لا يمكن التنبؤ به حتى الآن والذي تتمتع به وسائل الإعلام الاجتماعية والشاملة. وعلى الرغم من أن الثورة التي بدأت عن طريق موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» تسمح بقيام اتصالات سريعة بصورة يصعب تصديقها وتستطيع حشد الناس في الشوارع بأعداد كبيرة أسرع بكثير من قابلية الحكومات على اتخاذ القرارات وتعبئة قواتها إلا أنها ليست ظاهرة يمكن وحدها أن تقرر مصير الثورة.
رابعاً: من المهم عدم الهلع. لا يمكن لإسرائيل أن تبقى غير مبالية لعملية الدمقرطة التي تشجع تبني قيم تؤيدها إسرائيل، على حد رأيه، ألا وهي الحرية والعدالة وسيادة القانون والديمقراطية فإن حتى لو تبدو هذه التغييرات خطرة على المدى القريب. وبما أنه نادراً ما تدخل الدول الديمقراطية في حروب مع بعضها البعض، تشكل عملية التحول الديمقراطي العربي بصورة عامة تطوراً إيجابياً للغاية بالنسبة لإسرائيل. ويؤكد يدلين أن هناك عدداً من الفرص الأخرى التي يمكن أن تكون لها أيضاً آثار إيجابية بالنسبة لإسرائيل منها أنه يتنامى الإدراك في الشارع العربي بأن إسرائيل ليست المشكلة الأساسية في الشرق الأوسط. وعلى حين يواجه العالم العربي مشاكله الخاصة به، بدأ يرى أن العلل الإقليمية لن تتوارى عن الأنظار ببساطة، إذا ما تم فقط حل القضايا بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وعلى الرغم من هذه الفرص، يجب على إسرائيل أن تواصل دراسة النتائج الأقل تفضيلاً والاستعداد لها. إن الأول من بين هذه التهديدات هو العودة إلى المواجهة العنيفة مع مصر. وعلى الرغم من أن أياً من البلدين لا يريد تجدد إراقة الدماء أو إعادة تخصيص الموارد لأغراض الدفاع، يجب على إسرائيل أن تقوم بدراسة هذه الإمكانية لكي تبقى مستعدة.
والثاني هو التهديد الذي يشكله عدم الاستقرار المحتمل في الأردن التي تشاركها إسرائيل أطول حدودها. ومع ذلك، فقد أبدت ممالك المنطقة حتى الآن، اهتماماً باحتياجات شعوبها، وصمدت أمام ضغط الثورة.
والثالث، ستكون إسرائيل مهددة برأي بادلين إذا أدى أي من هذه الثورات إلى قيام حالة من الفوضى. فعلى سبيل المثال، إذا ما تم حل الحكومات المصرية والسورية والأردنية أو إضعافها إلى أجل غير مسمى، فيمكن في هذه الحالة أن يفقد «المسؤولون الجدد» السيطرة على الترسانات العسكرية التي تشمل في بعض الحالات صواريخ باليستية وأسلحة كيماوية.
من ناحية صياغة السياسة الإسرائيلية، أن أول تداعيات هذه الدروس والتي يجب أن تأتي في المقام الأول هي اتخاذ موقف «استراتيجيات سلبي» يتجنب الاعتراض والتدخل على حد سواء. يجب على إسرائيل يقول بادلين أن تكون حذرة أيضاً في استجاباتها لـ:«استفزازات» إيران أو «حزب الله» أو «حماس»، ولا سيما إذا كانت هذه الأعمال تهدف إلى تحويل الانتباه عن الاضطرابات في مجتمع معين، مثل لبنان أو غزة.
وبطبيعة الحال، لا بد من رسم خطوط في مكان ما، وإذا ما أُجبرت إسرائيل على اتخاذ إجراءات، فعليها، كما يرى اللواء الاسرائيلي الاحتياط أن تقود تحركاتها بحكمة. كما يجب عليها أن تواصل التخطيط على المدى الطويل، وتحافظ على الردع الاستراتيجي القائم بالفعل. ينبغي على إسرائيل ألا تفترض حدوث أسوأ النتائج، ولكن يجب عليها أن تبدأ بالأعمال التحضيرية في حالة بروز مثل هذه المشاكل.
وفي أعقاب اندلاع الثورات العربية، سقط بعض الأنظمة وتنحى بعض الحكام، لكن لا تزال معظم المشاكل التي يعاني منها الشرق الأوسط تقليدياً قائمة على ما هي. ورغم أن إسرائيل قد تظهر الآن بأنها لا تشكل سوى قلق سطحي وسط الأحداث الجسام التي تمر بها المنطقة، من وجهة نظر يدلين، فإنه يرى أنه يجب ألا يتم السماح لهذه التطورات أن تنتقص من المسألتين الإقليميتين الأكثر إلحاحاً ألا وهما: طموحات إيران النووية وعملية السلام في الشرق الأوسط.
قراءة يدلين للثورات العربية وما سماه الربيع العربي، يجب ألا تحرفنا عن محاولات إسرائيل الأخيرة للتدخل في مسارات الحراكات العربية وحرفها عن غاياتها الاجتماعية والاقتصادية بالأساس.

أخبار ذات صلة



0 التعليقات for (الثورات) في الشرق الأوسط من وجهة نظر إسرائيلية....يادلين: تحركات الشارع العربي توحي بأنه يدرك أن «إسرائيل ليست مشكلته الأساسية»

إرسال تعليق

syria a2z news (c) 2011 All Rights Reserved