الجزيرة رأيها دون الآخر..
4:20 م
بقلم: بسام رجا
في متابعتي اليومية لأداء بعض الإعلام العربي حول ما يجري في سورية وجدت أن هناك حالة من الفوضى الإعلامية والتضخيم الممنهج في التعامل مع الحدث الذي يصر أصحاب «المهنية» على قراءته من زاوية بوليسية على طريقة أفلام الأكشن.. هذا من ناحية أما من نواح أخرى كثيرة فأنا للحق أشفق على محطة مثل الجزيرة بعد أن كسبت الجماهير العربية لسنوات طويلة وأصبحت فرداً من أفراد كل عائلة عربية.. لكن ما الذي جرى ومعها محطات كثر لتنحدر صوب واد سحيق من الفبركة واستغباء العقول؟! لدرجة تشعر معها - أن الصحفي الذي كنا ننظر إليه بمهنيته وثقافته يتحول إلى ضابط تحقيق يطرح ما يريد ولا يسمع سوى صوت شاهد العيان.. ولنقل مجازاً إن هذا يدخل في سياق دور الإعلام الذي يطرق نوافذ مغلقة ومنها يدخل إلى التفاصيل.
ولكن أن تصبح المادة خارج حدود المهنية فهنا الطامة الكبرى، ولا أقول هذا الكلام بغية تقزيم الجزيرة، بل من موقع الحرص لدور الإعلام النظيف الذي يترك فسحة للعقل ويبتعد عن الشخصنة والمعلومات المشكوك فيها..ولكن نحن أمام إعلام يذهب في تقاريره إلى توسيع «دوائر النار»، بل يركز على صور بعينها رغم النفي السوري لصحتها..ويكذب كل رواية رسمية ويشكك في صدقيتها..ويفتح لهيب الكلام على كل ضيف يستقبله, ويتعامل معه في تصور مسبق، وهذا برأيي ومن منطلق معرفتي الإعلامية بعد عمل أكثر من 20 سنة وتعرفي إلى مدارس إعلامية في العالم ودراستي في أوروبا للإعلام لم أجد أي تبرير سوى أن هذه المحطات قد انحدرت بخطابها الإعلامي، وتصر على «رؤية» واحدة: أن الشعب السوري قد سئم بكل الأوضاع وهو اليوم أمام تحد لإسقاط النظام.. هذا ما تريده الجزيرة ومعها العربية وB.B.C وغيرها.
نعم أشهد بمهنية الجزيرة في نقل أحداث ثورتي تونس ومصر.. ومواكبتها لتلك الثورات.., لكن ما الذي يزعجها حين يقول محلل سياسي ما: إن الوضع في سورية يختلف عن غيره من البلدان.. وعلى إيقاع هذه الجملة تنداح التقارير أن سورية تتلطى وراء هذا الشعار، وكأن سورية التي لم تزل واقفة أمام كل عواصف الغرب ومؤامرات ضربها وفي عمقها الإستراتيجي هي ضرب من الإنشاء. تصر الجزيرة أنها مهنية وهي التي أغفلت عن قصد وأغمضت العين عن الذي يجري في البحرين وبأمر من حمد رئيس الوزراء القطري.., وتقول لنا إنها مهنية. ونتابع: وهل المهنية تعني هذا التجييش وهذا الكم الهائل من المغالطات في نقل ما يجري من أحداث؟
ولم تلتفت إلى كلمة السيد الرئيس بشار الأسد ووصفتها بتوجيه الحكومة فقط، وكأن الحكومة التي شكلت لم تأت وفق رؤية تعبر عن إصلاحات عميقة في المجتمع.. وأن يكون المواطن السوري في رأس أجندتها.
كل ذلك لا تريد أن تراه الجزيرة، وتواصل حربها الإعلامية وفق «أجندات» تعرفها المحطة المذكورة..نعم وبكل صراحة أراها حرباً إعلامية بما تحمله هذه الكلمة من معنى.
ونضيف هنا أيضاً: ما معنى أن تواصل هذه المحطات وعلى رأسها الجزيرة التركيز على التظاهرات التي نقلها حتى التلفزيون الرسمي السوري لتقول: إن الضغط الشعبي هو الذي دفع التلفزيون لنقلها..«عنزة لو طارت».
والرئيس بحد ذاته قال: إن التظاهر السلمي مسموح ويعبر عن شكل حضاري لشعب حضاري، وتحدث عن أهمية التطوير والإصلاح وأولويات المواطن. وهذا ليس شعراً بل واقع يترجم على الأرض.
لكن الجزيرة لا ترضى إلا بالتغيير الفوري.. هذا ما تقوله نشرات الأخبار التي يتصدر فيها الخبر السوري مقدمة الأحداث في العالم.. وتضيع أخبار فلسطين والحشود الغربية التي تقصف ليبيا وتمهد لتقسيمها.
غريب هذا الإعلام الذي يقول عن نفسه إنه مهني.. وهل المهنية تعني أن نَصمت عن القواعد الأميركية في قطر، والعلاقات التجارية وغيرها مع كيان الاغتصاب؟ هل المهنية أن يفتخر صحفي في الجزيرة أنه استضاف بيرز وليفني ويستسخف بكل من يعارضه؟ حقاً إنها مهنية من نوع خاص.
كنت أتوقع أن تكون الجزيرة مهنية لتجسد ما ترفعه من شعار، ولكن يبدو أن الصورة على مقاس من يريدون أن يعبثوا بأمن البلاد، وعلى لسان المحطة كليشة تقول: «تزعم» الحكومة السورية.
ألا ترى الجزيرة أسلحة الموت القادمة من هنا وهناك أم إن الصورة لا تعجب المحطة فتشكك فيها؟
لماذا مطلوب منا إذاً أن نصدق الجزيرة ونكذب كل ما نراه؟ ربما لأنها هي التي تملك «الحقيقة»؟؟!.. وغيرها عليه أن ينصاع ويصفق لرواية «الرأي والرأي الآخر» حقاً إنه رأي ولكن دون آخر. مع اعتذاري من الإعلام الحر والمهني.