جامعة ودولار... وقومية!
إعلام, مواقع, ن, i 10:19 ص
لم يكن أنتوني إيدن ليظن أن الفكرة التي لمعت في خياله أحد أيام 1941 لتتبلور بعد سبعة عقود على هذا النحو، وتصبح الأداة الأكثر "فعالية" في استهداف الدول التي تعارض المصالح الغربية عبر أنظمة كانت لهذه المصالح اليد الطولى في تنصيبها.
ولا يبدو أن اندفاعة التيارات القومية العربية، وبراغماتيتها السياسية، ولا نفحات الليبرالية التي هبت على الشعوب العربية في مرحلة الاستقلالات، قد تمكنت من تحويل الجامعة العربية عن الهدف الذي وضعه لها لها إيدن، وزير خارجية بريطانيا في تلك السنوات، فتصبح إطارا لخدمة المصالح العربية بالفعل.
إن محاولات الكتلة الخليجية حاليا للسيطرة على هذه المؤسسة عبر "البترودولار" وغيره من الأدوات القذرة، بحسب المصطلحات المعتمدة في العلوم السياسية، يعكس هشاشة الرابطة التي قامت عليها هذه الجامعة، لتضع الجيل السوري الجديد في مواجهة السؤال المصيري ذاته الذي دفع بالقوميين العرب ذات يوم لإطلاق حلمهم الوحدوي بـ"جامعة" تضمهم.
تغيرات كثيرة طرأت على تركيبة الشعوب المتحدثة باللغة العربية، وعلى ثقافاتها، وكذلك على مصالحها الاستراتيجية على ما يبدو، وإذا سلمنا جدلا بوحدة التاريخ، ووحدة اللغة، فإن "وحدة المصير والمصالح" لا تبدو كأنها تمتلك من اليقينية ما كانت تمتلكه قبل عقود في عقول العرب الوحدويين.
تغلبت الجغرافيا على التاريخ، وتغلب علم الاجتماع على الأيديولوجيا، وتغلبت المصالح على اللغة، وتقدمت خشونة الواقع على رومنسية الأحلام. لكن الحقيقة النهائية ليست بالمرارة التي ربما شعر بها البعض عند صدور قرار الجامعة العربية ضد سوريا، بالنظر إلى أن القوة تكمن في قراءة المتغيرات والمكانة تحفظ عبر الاستجابة لها وفق معطيات الواقع الجديد، والخروج منها بسياسات واستراتيجيات تحفظ القدرات وتحميها.
بكلمات أخرى، تتطلب المرحلة التي تواجهها سوريا، قيادة وشعبا، في مواجهة الاستهداف الخليجي الشرس لها عبر الجامعة العربية إعادة النظر في التحالفات السورية، وبالتالي إقامة التحالفات الجديدة على أسس غير الأسس التي دفعتها لقبول فكرة الجامعة العربية في قديم الزمان، والتي لم يبق منها غير اللغة.
وإذا كانت الجغرافيا والعنصر الإجتماعي هما المكونات الأقوى للروابط القومية، وليس اللغة أو الدين، فإن واقع الحال يشير إلى أنه علينا إعادة النظر في مفاهيمنا القومية، وإعادة الاعتبار لقوميتنا السورية لكونها الرابطة الوحيدة القادرة على حفظ الأمن القومي السوري. وإذا كانت المصالح المشتركة هي أساس التحالفات، فإن المصالح السورية لم تعتد تلتقي بتلك السعودية أو القطرية وغيرها، وبالتالي علينا التركيز على تحالفاتنا الاستراتيجية التي ليست بالضرورة ناطقة باللغة العربية وتخدم أمن سوريا ووجودها.
نواجه اليوم نهاية عصر وبداية آخر، ويبدو العالم متجها إلى إفرازات وتوازنات وتكتلات غير التي سادت في العقود الماضية، ومن المفيد أن تكون اندفاعتنا القومية اليوم أكثر واقعية مما كانت عليه قبل سبعة عقود، وعلينا النظر في كافة الاتجاهات، بما فيها العربية دون السماح بتماهي الشخصية السورية المنفردة والمتميزة مع شخصيات الأمم الأخرى مهما كان المسمى أو الهدف.
هي ليست دعوة للخروج من الجامعة العربية، فالواقعية السياسية تفترض البقاء في هكذا إطار سياسي، لكن وفق صيغة وميثاق جديدين يقر بهزيمة الأيديولوجيا مقابل المصالح، فليس على السوريين أن يقبلوا مجددا ببقاء نبيل العربي أو حمد بن جاسم ومن مثلهم قادرين على التأثير في المصير السوري عبر قرارات يصوغوها بجامعة ودولار فقط لكونها مكتوبة باللغة العربية.