بين تربية التماسيح.. وبطل الألياذة السورية فداء الشيخ
مقالات و ترجمات, ن, i 4:15 م
لم يؤذني مشهد في هذه الاحتجاجات السورية كما آذاني مشهد أطفال يسيرون ضمن المسيرات أمام عيوني في تلك المظاهرات الخاطفة الصغيرة التي شهدتها ووقفت على بعد أمتار منها ..وكان هؤلاء الأطفال يرددون خلف مردد كلمات نابية بحق الدولة ويحملون اللافتات السياسية وكثيرا مالاحظت في متابعاتي لهم أنهم وزعوا ليحيطوا بالمتظاهرين كالسوار وكالحزام وكأن المقصود من هذه الأحزمة أنه اذا ماتمت المصادمات الأمنية تورط الأمن بأذية هذه الطيور الصغيرة البريئة فيتم التشنيع على الدولة بقتل الأطفال ..!
لكن أكثر صورة أذهلتني وجعلتني أشهق رأفة وهلعا ..هي صورة وزعتها المعارضة منذ أيام للدلالة على انتشار “الثورة” السورية في كل شرائح المجتمع ومكوناته..الصورة كانت لأطفال في المرحلة الابتدائية يلبسون ثياب المدرسة الزرقاء في مظاهرة أطفال مدارس وهم يحملون لوحات كتب عليها (الشعب يريد اعدام الرئيس) .. ومن الواضح من ابتساماتهم البرئية أنهم لايعون ماذا يفعلون أو ماذا كتب على اللافتات ..ليس العنوان هو ماأذهلني لكن الصدمة هنا كانت في استعمال الأطفال في المماحكات السياسية والصراعات الداخلية ..الأطفال الصغار الذين ظهروا أبرياء في الصورة كانوا يحملون اللوحات التي كتبت بخط واضح بيد كبيرة متمرسة ولم تكتب بيد طفل ابتدائي ..بكل تأكيد..
والسؤال هنا: هل من الأخلاق الزج بهؤلاء الأطفال في هذا الصراع؟ وهل يصح اخراجهم من مدارسهم لخدمة ثورة أو ثوار بدل أن تقتل الثورة نفسها لابقاء جيل أطفالها على مقاعد العلم؟؟ وهل الدكتور برهان غليون أستاذ السوربون وهيثم المناع ولفيف المنظّرين المثقفين والعاملين في جمعيات حقوق الانسان قادرون على الدفاع عن هذا السلوك أمام منظمات دولية؟ ..وهل هم قادرون على الدفاع عن هذا الاحتياطي من الثوار الصغار أمام منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” ؟؟ واذا كان الثوار يعيبون على النظام غزوه الفكري للطفولة عبر منظماته الحزبية وغيرها (طلائع البعث) فهل اطلاق الأطفال في مظاهرات ونزاعات سياسية سلوك يدل على وعي ببراءة الطفولة أو على حرص عليها؟ وهل هذا تحرير لأطفال سوريا من كابوس البعث (وأناشيد الطلائع) الذي على حد علمي لم يطلب يوما من الأطفال رفع لافتات عليها كلمة اعدام بحق ألد أعدائه؟ ..ثم هل من اللائق أن نباهي بطفل يريد أن يتعلم كلمة الموت والاعدام بدل تعليمه القيم الانسانية الراقية والسمحة وبدل أن نعلمه التسامح والنظر الى الغد بروح نظيفة مليئة بالرحمة والغفران ..
ماذا سنقول للصحف الأوروبية اذا مانشرت هذه الصورة وترجمت اللافتة ؟ هل تتوقعون أن الاوربيين سيقولون ان الظلم في سوريا قد جعل الصغار كبارا؟؟ ان كنتم تعتقدون أن هذا سيجلب تعاطفا مع الثوار وتفهما لغضبكم فأنتم سذج وأغرار، وهناك قطيعة حضارية ومعرفية بينكم وبين العالم الغربي لايشبهها الا قطيعة التلاقي بين الثلج والنار والشك واليقين؟ أنا أعرف العقل الأوروبي لاحتكاكي به لسنوات طويلة ..فهو لايقبل على الاطلاق (تذكروا على الاطلاق) بأن يزج بعقل الطفل بأية قيم سياسية “عنيفة”.. على الاطلاق وتحت أية ذريعة ..وسيقول من يرى الصورة: ان ثقافتكم عنيفة أيها الشرقيون والمسلمون لأنكم ببساطة لاتعرفون الفرق بين الطفولة والسياسة..وكل العنف الذي في بلادكم هو زراعتكم ..فالطفل الذي يتعلم أن يجاهر بالكراهية والعنف سيتعلم أن لايتسامح وسيتعلم أن من الطبيعي أن يكون اما قاتلا أو مقتولا ..والطفل الذي يتعلم أن الاعدام أسلوب طبيعي وممارسة يومية سيكبر ليجد أن الجلادين ظاهرة طبيعية ..ومهنة ككل المهن .. والوطن الذي يربي أطفاله على هذه القيم انما ينجب المزيد من التماسيح و الجلادين الذين سيستعملهم أي نظام قادم حاكم..اسلاميا كان أو قوميا أو شيوعيا أو ليبيراليا أو أو ..
الجلادون يترعرعون في كنفنا صغارا ويرضعون الشذوذ الفكري والسلوكي من ثدي الكراهية ..في وقت يجب على أي ثورة أن تغير فيه من منسوب العنف في ثقافة مجتمع مضطهد يعيش تحت الديكتاتورية ..لتبني قيم الحرية والتسامح ..
في كل يوم ندرك حجم المراهقة السياسية للمعارضين السوريين وتفاهتهم واستعدادهم حتى لاستعمال الأطفال وقودا لشهوتهم السلطوية واحراز نقاط وكتابة انجازات بدموع ودماء بريئة ..
وفي كل يوم يزداد توجسي من هذه المعارضة المجنونة وهذياناتها التي ستوصلنا يوما الى أن نفرّخ أطفالا كأطفال الأفارقة الذين نراهم في الأخبار يحملون الرشاشات والبنادق وهم ينوؤون بأجسادهم الضئيلة الصغيرة تحت أثقال أحزمة الرصاص وبالكاد قادرون على رفع بندقية أطول من قاماتهم وهم يفتشون على الحواجز ..
هل نضبت صفوف المعارضة من الرجال حتى تزج بالأطفال؟ هل تريد المعارضة مزيدا من الضحايا الصغار ومزيدا من المراهقين ومن حمزة الخطيب الذي غرر به لينضم لثوار يهاجمون ليلا بيوتا لارجال فيها ..واذا مات أو قتل حملت صوره في العالم على أنه ضحية النظام ..؟؟ هل يلام الطفل والمراهق أم القادة؟
في الحقيقة، لم أكن أصدق ان المعارضة يمكن أن تجرؤ أو تتنطح لتجادل بصوابية أو جنون هذه الفكرة القاسية حتى كتب موقع “كلنا شركاء” لصاحبه المعارض أيمن عبد النور هذا التبرير الوضيع نقلا عن أحد منظري الثورة وهو رضوان زيادة حيث قال الموقع: أما عن تسييس وعي الأطفال ومشاركتهم في المظاهرات..
فقال رضوان زيادة “المهم ألا يتم إجبار الأطفال على اتخاذ مواقف معينة، أو ترديد شعارات لا يرغبون بها من قبل أي طرف سياسي”، موضحا أن هؤلاء الأطفال خرجوا بشكل عفوي دون أن يحركهم حزب أو منظمة ليعبروا عن إحساسهم بالظلم والقهر، وليس مناصرتهم أو تأييدهم لشخصيات أو أحزاب سياسية..
قلّبت هذه العبارات والهرطقات للسيد زيادة (وخاصة عبارة “خرجوا بشكل عفوي” بدليل اللافتات المكتوبة بخط الكبار) وحاولت تلميعها وغسيلها بالصابون في ماء البحر ونشرها تحت الشمس ثم حممتها بالعطور فبقيت لها رائحة كريهة..وحاولت نقعها بالكحول وتطهيرها بمحاليل اليود الطبية وبالحرارة العالية فلم يتخلّ عنها العفن والعفونة والقيح الكريه…حاولت أن أعطيها شربة دود ضخمة، لكن الديدان فيها لم تفارق بطونها بل ترعرعت وخرجت كاالأفاعي الصغيرة والحيّات من زوايا أفواه الكلمات ومن كل الثقوب ونقاط الحروف ..حتى زيت الخروع لم ينفع في اطلاق مافي أمعائها من عفن وصدأ.. غطيتها بالأغطية والزجاج السميك لكن انجذاب الذباب لها وكل الحشرات الدابة كان مذهلا..وضعتها في حظائر الخنازير والبغال فهربت الخنازير والبغال من حظائرها .. وضعتها على متن مكوك الفضاء لوكالة ناسا ورحّلتها الى الفضاء الخارجي لكن المكوك عاد ومعه رسالة من مخلوقات فضائية عليها اشارات استفهام وتعجب واستهجان…ولم ينفع لها الا أن قرأت عليها الفاتحة وسورة الناس ثلاث مرات:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
قل أعوذ برب الناس، ملك الناس، اله الناس، من شر الوسواس الخناس، الذي يوسوس في صدور الناس، من الجنة والناس. صدق الله العظيم
عند ذلك حدثت معجزة فقد ظهرت لكلمات زيادة فجأة أجنحة خفافيش حملتها وطارت الى أميريكا بسرعة الصواريخ السورية الموجهة الى تل أبيب.. وتوجه سرب الكلمات الخفاشية الى رضوان زيادة الذي كان في اجتماع هام في وزارة الخارجية الأمريكية ..ودخلت الكلمات بسرعة في جسده وتحديدا في أحد ثقوب جسده (؟؟!!!!) .. دخلت فيه ولم تخرج…وذلك الثقب لم تصدر عنه أصوات منذ ذلك اليوم..ورضوان يعالجه ويتنقل بين العيادات والمشافي الأمريكية ..ليفتحه من جديد..ولكن هيهات
وبالمقابل ولنعرف الفرق بين الوطن والسياسة وبين المعارضة الرخيصة والوطنيين الأحرار في أبسط البيئات السورية وكيف يربي الوطنيون أطفالهم ..وكيف ينجب الأبطال الأبطال ..وكيف ينمو العقل والنشاط الانساني بشكل صحي متوازن .. يجب أن نعرف ماذا فعل بطل مثل الشهيد فداء الشيخ الضابط السوري الذي استشهد منذ أيام …ففيما كان ينزف تحت زخات الرصاص أدرك أنه اقترب من الموت وأنه لاحق بالرفيق الأعلى .. فأمسك هاتفه النقال وجعل يكتب رسالة ..وتوقع جميع من حوله أنه يبعث برسالة استنجاد واستغاثة ..ولكنه استشهد ولم تصل النجدة ..وكذلك لم تتلق أية جهة قيادية رسالة استنجاد أو استغاثة من أحد ..المفاجأة أننا عرفنا أين ذهبت رسالة فداء الشيخ التي كتبها في اللحظات الأخيرة..لقد تلقاها هاتف زوجته النقال وفيها هذه الكلمات:
أستحلفك بالله أن تربي لي أولادي على حب الوطن …. وداعا
الرسالة الأخيرة من البطل الشهيد فداء الشيخ (وهو ابن شهيد أيضا) التي لاتزال محفوظة على هاتف زوجته النقال ستبقى أيقونة لاتنسى ..ويجب ان تكتب هذه القصة وكلمات هذه الوصية كالقصيدة على جدران الجامع الأموي..ويجب أن تكتب بضوء الشمس على اطلالات جبل قاسيون..ويجب أن تدرس في كتب السوريين كما ندرس بطولة جول جمّال ..وسناء محيدلي ..وجميلة بوحريد ..
لم يوص البطل فداء الشيخ زوجته بمال ولابتركة ولا أن تربي أولادها على الولاء للرئيس ولالحزب البعث ولا على كره أحد ولا على اعدام احد ولا على الثأر من أحد ..بل أن تربيهم على ..حب الوطن ..
اليس هذا موقفا اسطوريا ؟..ألا تعجز خيالات هوليوود عن اجتراح مثل هذه البطولة حتى في السينما ..؟؟ ألا يعجز هوميروس عن كتابة هذا المشهد الملحمي في أية الياذة وفي أية أوديسا على لسان هكطور أو أخيليس؟؟ الا تشبه هذه القصة قصص الملاحم الاغريقية الشهيرة ..التي ينحني لها زيوس الاغريقي اله السماء والرعد وبوسيدون اله البحر؟
هل عرفتم الآن لماذا تموت “الثورة السورية” وتنتصر العقلية الوطنية ؟؟
وهل عرفت لماذا اسمنا سوريون..ياعزمي وياحمد وياأردوغان ويا أوغلو وياأوباما وياساركوزي وياكاميرون ..وهل عرفتم كيف هرمت ثرثراتكم يا برهان ويا هيثم ويا عرعور ويا كركور..
لقد هرمنا …هرمنا …بثرثراتكم الهرمة
شائعة غريبة في سوريا
يلفت الكثيرون النظر الى غياب البرلماني اللبناني الشهير عقاب صقر عن كل الساحات والتصريحات منذ فترة طويلة ..وتيار المستقبل قال منذ فترة ان عقاب صقر متخف في باريس حرصا على حياته الشخصية فيما يلمح بعض الاعلاميين السوريين انه مشغول في غرفة سوداء تكتب للثوار السوريين الشعارات للمظاهرات والأسماء لأيام الجمعة
لكن غيابه المثير أطلق شائعة غريبة في سهرات السوريين.. وهي أنه معتقل في سوريا منذ فشل فراره من بانياس!! وأن هناك مفاوضات صعبة لاطلاقه بصمت مقابل ثمن باهظ وأن حمد آل ثاني أمير قطر قد ذهب الى طهران مؤخرا ومن بين مافاوض عليه عرض ثمن كبير لاطلاق “الأسير” الصقر من القفص السوري ..لكنّ رفض السوريين لعروضه السخية أصابه بالجنون فأطلق سعار الجزيرة فورا عقب زيارته لنجاد .. وذكرت الأحاديث المتنقلة في مقاهي السوريين على نكهة الشاي “أكرك عجم” وخلف دخان الأراكيل وعلى وقع طقطقات أحجار النرد وخلافات اللاعبين وأيمانهم المغلظة بأنها الشيش بيش وليست دوشيش ..ان أحداث بانياس كانت آخر مرة علّق فيها هذا العقاب على الشأن السوري ليختفي من بعدها .. لكن كان هناك خبر مرّ مرور الكرام ابان تلك الأحداث وهو القاء الجيش السوري القبض على الدكتورة جنان الامام في بانياس وهي في سيارتها و معها احد الأرهابين “الأجانب” متنكراً بالنقاب الأسود عند محاولتها تهريبه من بانياس ..الشائعات السورية تقول ان ذلك الارهابي الأجنبي المنقب لم يكن الا البرلماني اللبناني .. عقاب صقر ..وكل السلاح القادم من وادي خالد للضغط على السوريين لاطلاقه ..
معقول ياراااجوووول ..
والله أعلم