من يوميات نيويورك... عندما اشتكى المعلّم!
إعلام, مقالات و ترجمات, ن, i 2:11 ص
غريب أمر الدبلوماسية السورية. هي لا تشبه إلا نفسها وتكاد تكون الوحيدة التي لا يتعدّى عدد أفرادها، الذين يشاركون في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أصابع اليد الواحدة. ومع ذلك، فإنّهم يبقون الأبرز في عالم الدبلوماسية العربية. منذ سنوات خلت وحتى اليوم، لم يستطع أي صحافي مواكب لأعمال الجمعية العام أن يحظى بلقاء خاص مع وزير الخارجية السورية أو نائبه أو أحد أعضاء الوفد، فهؤلاء يعملون في الظل وبهدوء.
بالأمس، تجلّى ذلك بوضوح خلال جلسة مجلس الأمن، حيث تحركت الدبلوماسية السورية بخطى واحدة ولسان واحد، وكانت الكلمة التي ألقاها وزير الخارجية السورية وليد المعلم باسم الوفد خير دليل على ذلك، وإن كانت لم تحمل مفاجآت من العيار الثقيل.
الوزير المعلّم شرح الوضع الداخلي السوري من وجهة نظر الحكومة السورية وأكد وجود حملة مدروسة خلف ما يجري في سوريا بهدف ضرب نهج العلمانية المتبع، كما تحدّث عن حركة تمويل وتسليح للتطرف الديني من أجل الوصول إلى فوضى عارمة تقود إلى تفتيت سوريا ومن ثم المنطقة بكاملها، وصوّب أصابع الاتهام حول الفوضى والثورة المسلحة إلى الأطماع الغربية التي تهدف إلى جعل منطقة البحر المتوسط منطقة نفوذ خاصة بها، كما قال.
وفيما توجّه المعلم إلى قادة العالم قائلاً: "من منكم ليس بحاجة للاصلاح فليرجمنا بحجر"، كان لافتاً أنّ أيّ مقعد لم يكن شاغراً أثناء إلقاء المعلم لكلمته، إذ حضر الجميع واستمعوا بخشوع، أخصام سوريا قبل أصدقائها حضروا واستمعوا بهدوء وإصغاء إلى المعلم وهو يحاول تعتيم الصورة البشعة التي تمر بها سوريا وتسليط الضوء على سوريا الدولة الواعية والقادرة على حل مشاكلها بنفسها. وإذ قطع المعلم أيّ أمل في نية اتصال بالأوروبيين أو الأميركيين، بدا واثقاً من كلامه على الرغم من قرارات العقوبات المفروضة على بلاده والتي إذا أراد أن يجمعها لأضحت مجلدا، أضف إلى ذلك نغمة الملف السوري النووي الذي تتذكره الولايات المتحدة الاميركية كلما شعرت بخسارة أوراقها في المنطقة.
بالفعل، غريب أمر الدبلوماسية السورية، لكنّ الأغرب منه هو أمر نظيراتها الأميركية والأوروبية. ملف سوريا نار تحت الجمر وفوقه، لكنّ الغرب لم ينجح حتى الساعة في تمرير ضربة أممية للنظام السوري ربما لأنّ البعض المعرقل يجد في هذا الملف مغامرة غير مضمونة النتائج سوف تلحق ضررا بمصالحهم ومصالح منطقة الشرق الاوسط بكاملها. ومن المتوقع ان تعود سمفونية العقوبات الى العزف مجددا بعد انتهاء الجمعية العامة، وسوف تدرك الادارة الأميركية أنّ سياستها الداخلية لا يمكن أن تكون بمعزل عن سياسة واشنطن الخارجية وانه لا يمكن امتصاص الازمة المالية الطاحنة في اميركا الا بتحقيق نجاحات خارجية.
ولكن، أبعد وأعمق من كلّ ذلك، حلّ ربما لاح في الأف، ومن الممكن أن ينهي قلق الادارة الأميركية على هيبتها في الشرق الأوسط. وعرّاب هذا الحل هو الرئيس الايراني المتمرّد محمود أحمدي نجاد، الذي أعلن في كلمته أمام الجمعية العامة عن "عدم ممانعته" بمباشرة مفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية، وهو الأمر الذي أغضب الداخل الايراني على ما يبدو. فلو سلّمنا جدلاً وحصل هذا التقارب، لخفّ الغضب الاميركي والاوروبي والتركي عن سوريا ولتوقف تهريب الاسلحة الى داخلها وحينها فقط سوف تُترَك سوريا لتطفئ نار ثورتها بنفسها. وإذا تخيّلنا أنّ الودّ والوئام اشتعل بين إيران وأميركا بعد صفقة سياسية دولية كملجا في زمن الشح الاقتصادي، لادرك الشعب السوري الثائر ان لا احد يبقى الى جانبه، لا مجلس حقوق الانسان الذي عانى كما هو لنقل صور دمائه الى العالم، ولا الاتحاد الاوروبي الذي يبذل الغالي والرخيص في سبيل الديمقراطية في الشرق الاوسط المتمثلة باجود انواع البترول والغاز. وعندها لن يبقى امامه الا العودة الى طاولة حوار والى العمل السياسي الحزبي في امتحان لصدقية الاصلاحات التي وعد بها الرئيس السوري بشار الاسد.
ويبقى السؤال الجوهري: هل تعود سوريا الى الهدوء والاستقرار اذا هدات العاصفة الخارجية؟
سؤال برسم ايام ودماء الربيع العربي في سوريا...
النشرة