لمن يهتم.. ابتكار محلي يعظم جدوى صناعة الفوسفات السوري لعشرات الأضعاف

أضحى الدكتور المهندس مدين محمد على قناعة تامة بأن الاختراع يعاني من مشكلة عضوية في سورية، فبراءة الاختراع التي عمل عليها وأنجزها بسهولة في الهند، تدرب بكثير من القسوة على مصاعب تسجيلها وقبولها من المؤسسة التي يعمل فيها الآن.


يعتقد الدكتور صافي بأن العلاقة بين الاختراع والإدارة الحكومية تعاني عطبا عميقا تستنسخه- بالعدوى- تلك العلاقة التي تجمع الاختراع بالقطاع الاقتصادي، إلا أن ما لا يفهمه الرجل، هو العلاقة الرديئة بين الاختراع والمؤسسات العلمية.

 لا يحتاج تسجيل برءاة الاختراع في سورية إلى زيادة في «الندب»، إذ لطالما حظيت البراءات ذات المواضيع الأبرز بقدر كبير من التسويف والتبرؤ والمماطلة في تسجيلها حتى لكأنها تهمة، أما تجربة الدكتور صافي فتقول: «أوفدت إلى الهند لنيل الماجستير الدكتوراه في «الاختبارات التكنولوجية- تركيز الخامات المعدنية» بين عامي 2000 و2006، وتوصّلْتُ أثناءها إلى ابتكار «تكنولوجيا جديدة لإنتاج الهيدروكسيل أباتيت والكالسيت والكوارتز من الفوسفات السوري ومخلفاته»، ومذاك وإلى الآن أعاني بيروقراطية الإجراءات، فلا أنا قادر على نسيان اختراعي من جهة، ولا أنا قادر على تحويله إلى استثمار أزعم أنه مفيد جداً لي ولوطني.. في نهاية المطاف ها أنا أحاول الاستفادة منه في تراتبي الوظيفي، وحتى هذا لم يفلح!!..

 تعظيم الاستفادة من الفوسفات ومخلفاته
 يقول الدكتور صافي إن الاستثمار الأمثل للخامات والثروات المعدِنيّة يسجل أهميته كهاجس اقتصادي في مختلف دول العالم، بغية الحصول على منتجاتٍ بجدوى اقتصاديّة أعلى، وبمواصفات تناسب السّوق العالميّة.

 ويعد الخام الفوسفاتي أحد أهم الخامات المعدِنيّة، وتقوم معظم الدول المنتجة له بإغنائه عبر طرق فيزيائية وكيميائية لاستخدامه في صناعة الأسمدة، والمنظّفات، والبلاستيك، وغيرها..

 في سورية، يضيف الدكتور صافي، نستخدمه لصناعة الأسمدة الفوسفاتية بأنواعها، بالاعتماد على طرق الإغناء الفيزيائية فقط، وهو ما حدا بي إلى إجراء مجموعة من الدِّراسات والأبحاث مستخدماً الطرق الكيميائية المعروفة عالمياً، ليتبين لي أنه لا يمكن معالجته بالكلسنة «التحميص لدرجات حرارة عالية بغية فصل المواد الطّيارة»، كما لا يمكن الاستفادة من عمليات الغسيل الكيميائي المعروفة المتبعة في الولايات المتّحدة الأميركيّة، ذلك أن تطبيق هذه الطُّرق على خاماتنا لا يحقِّق أيّ جدوى اقتصاديّة، إذ لكل فوسفاتٍ تركيبه الخاص والفريد. 

 توصل صافي من خلال أبحاثه إلى أن احتواء الخام الفوسفاتي السّوري على كميةٍ كبيرةٍ من أكسيد الكالسيوم والكلور ما يعوق استخدامه في صناعة حمض الفوسفور، ومن ثم الأسمدة الفوسفاتية «وهي الصناعة الوحيدة القائمة على الفوسفات في بلدنا».

 ويبين صافي أن مناجمنا الفوسفاتية في خنيفيس والشرقية تترك مئات الملايين من أطنان المخلّفات الناتجة عن المعالجة الفيزيائية منذ ما قبل تشغيل مصنع الغسيل في 2005.

 ويوضح صافي: من هذه النقطة، اكتشفتُ طريقةً كيميائية جديدة لم تُدْرَس من قبل، ولم يسبق لأحدٍ العمل بها بحثاً أو دراسةً أو تطبيقاً، لتفكيك الفوسفات السوري بأنواعه المختلفة إضافة إلى معالجة المخلفات.

 وتعتمد الطريقة المبتكرة التي توصل إليها صافي على معالجة الفوسفات كيميائياً، وبمواد كيميائية رخيصة نسبياً، مشيراً إلى الدراسات التي أجراها في قسم البحث والتطوير في كل من «المركز الوطني للتنمية المعدنية، والمعهد الهندي للتكنولوجيا الكيميائية، والمعهد الوطني للبحوث الجيوفيزيائية» في مدينة حيدر أباد بالهند، أعطت ثمارها بالحصول على مادّة أساسية وهي «الهيدروكسيل أباتيت» الواسعة الاستخدام في الصّناعات الدّوائية، وهي مادة غالية الثمن جداً مقارنة بالفوسفات الرخيص جداً.

 كما حصل الدكتور صافي من خلال التجارب على عينات قياسية استجرتها مراكز الأبحاث آنفة الذكر خصيصا لأبحاثه من المعهد الوطني للتكنولوجيا والعينات القياسية في ميريلاند بالولايات المتحدة الأميركية، حصل على منتجاتٍ ثانويّة مثل كربونات الكالسيوم البلوريّة «الكالسيت» الواسعة الاستخدام في الصّناعة الكيميائية، بينما النواتج الباقية كانت عبارة عن بلورات السيليكا «أو الكوارتز» التي يمكن استخدامها في صناعات شتّى كالزجاج.

 فوسفات سوري بمردودية عالية
 ابتكر الدكتور صافي جهازا مخبريا بسيطا يمكن استخدامه لتفكيك جميع أنواع الفلزات ومنها العينات الفوسفاتية، كما يمكن استخدامه لوضع تصورات حول الاستثمار الأمثل للمخلّفات الناتجة عن المناجم.

 وبالاستعانة بجهازه المبتكر، قدّم الدكتور صافي طريقةً تكنولوجية لمعالجة الفوسفات السوري الرخيص جداً «حيث يباع الطن المركز منه بحوالي مئة دولار بينما مخلفاته أقل سعرا بكثير» واستخلاص (هيدروكسيل أباتيت) متطابق المواصفات الكيميائية والفلزية مع المنتج القياسي العالمي.

 ما يميز منتج «هيدروكسيل أباتيت العالي النّقاوة» الذي استخلصه الدكتور صافي سعره العالي جداً حيث يباع الطن منه بآلاف الدولات، نظرا لاستعماله كبديلٍ للعظام، وفي جبر الكسور، وفي الصناعات الدوائية السنيّة، كما يستعمل في الكروماتوغرافيا السّائلة العالية الفعالية في تنقية البروتين.

 أما المُنْتَجات الثانوية التي خلص إليها صافي بواسطة جهازه المبتكر فكانت «الكالسيت» الواسع الانتشار في الصناعة الكيميائية و«السيليكا عالية التبلوُر» التي تستخدم في صناعة الزُّجاج والسِّيراميك والخزف الصِّينيّ، كما يمكن استعمالها في مواد البناء، إضافة إلى صناعة المعجون، والمطّاط، على حين لها استخدامٌ واسعٌ في صناعة الغاز والنّفط تبعا لدورها في تكسير الصّخور ضمن آبار النفط والغاز.

 قفزة في صناعة الفوسفات عالميا
 يتوقع الدكتور صافي أن تسهم تقنيته وجهازه المبتكرين في تطور مستقبل صناعة الفوسفات على المستوى العالمي.
 ويرتكز صافي في توقعاته هذه على الجدوى الاقتصادية المذهلة لمشروعه الذي لا يحتاج تطبيقه وبرهان جدواه سوى إلى وحدة نصف صناعية، ومن ثم لمصنع كامل، مشيراً إلى أن تطبيقها على أنواع أخرى من الفوسفات يؤمن الحصول على منتجات أخرى ثانوية حيث يعطي الفوسفات الهندي أكسيدي الحديد والألمنيوم، أما فوسفات فلوريدا فيعطي المغنسيا «أكسيد المغنزيوم»، وهي أغلى من السيليكا والكالسيت في حالة الفوسفات السوري.

 ويتمنى صافي أن يفتح الجهاز المصمم الباب أمام معالجة كيميائية للخامات السورية، بطريقة لم يسبق أن أجريت في مجالٍ «سمييه الهيدروميتالورجيا»، مبيناً أن استخدامه في الكمبرلايت «مخلف مناجم الماس» يحقق أيضاً جدوى اقتصادية كبيرة أيضاً.

 ويرى صافي أن تصميم العملية الكيميائية استناداً إلى المبادئ الأساسية في الترموديناميك والكيمياء اللاعضوية يجعل منها نظريةً جديدة في فصل الفلزات بعد تحويلها إلى محاليل عالية الإشباع، ما يفتح الباب المستقبلي لمعالجة المخلفات الفوسفاتية وغيرها التي تشكل عبئاً على المناجم والبيئة، وهذه الأخيرة ستكون بوضع أفضل بكثير حيث يمكن معالجة الآثار البيئية للمشروع بسهولة، ناهيك عن أن نواتج عمليته أقل من ملوثات أي معمل قائم على الفوسفات.

عامان لنيل البراءة.. ورحلة عقيمة للاستفادة منها وظيفيا؟!
 كما أسلفنا، حاول الدكتور صافي إقناع جهات عدة باستثمار اختراعه على أرض الواقع دون جدوى، فما كان منه إلا أن خاض طريقه نحو الاستفادة مما ينص عليه قانون العاملين الأساسي لجهة تحسين رتبته الوظيفية.. وهذه قصة بذاتها.
 النصوص القانونية الواضحة لجهة حقوق المخترعين في القطاع العام واضحة لا لبس فيها، إلا أن اليد البيروقراطية المتلهفة لممارسة هوايتها لا تعدم وسيلة لتغييب القانون في دهاليز المراسلات، وما نستطيع تأكيده في هذا السياق أن العشرات من المخترعين يتشاركون فشلهم في الحصول على حقوقهم القانونية في الترفيع بعد نيلهم البراءات، وهذا ما سنعود إليه لاحقا في مادة مستقلة.
 يروي الدكتور صافي قصته في هذا السياق قائلا: بعد أبحاث وتجارب مضنية في الهند أفضت إلى ابتكاري المشار إليه، قمت في عام 2005، بمراسلة مديرية البعثات العلمية في وزارة التعليم العالي وقدمت إليها الأوراق اللازمة للتقدم لنيل براءة الاختراع، لكن أحدا لم يستجبْ. 

 وبعد قدومي إلى الوطن ومباشرتي العمل في «المؤسسة العامة للجيولوجيا»، يضيف الدكتور صافي، راجعْت البعثات العلمية للغاية ذاتها، فأجابتني أن «لا علاقة لنا بذلك، الموضوع بيد الجهة التي تعمل لمصلحتها»، لأتقدم بعدها في آب 2007 إلى «مديرية حماية الملكية في وزارة الاقتصاد والتجارة» بطلب منح براءة، لتطلب مني الأخيرة إقرارا بأنني لم أستخدم مخابر المؤسسة أو غيرها من مخابر القطاع العام للتوصل إلى الاختراع «ضمانا لحق الدولة في حال تم ذلك»، فما كان مني إلا أن خاطبت مؤسستي علها تسجل الاختراع باسمها وباسمي مناصفة، فتمت إجابتي بأنها «لا تتدخل بمواضيع علمية ولا ببراءات الاختراع»... عندها قدمت إقرارا في وزارة الاقتصاد بأنني توصلت للاختراع وأنا في الهند وليس في سورية، لأمنح بعدها البراءة بعد عامين ونيف، وتحديدا في شهر أيلول من عام 2009.

 ويضيف الدكتور صافي: لم أوفق في فرصة لتحويل ابتكاري إلى نموذج صناعي، فبدأت البحث في الاستفادة منه وظيفيا، وبالفعل تقدّمْتُ بطلباتٍ متعدّدة إلى السيد المدير العام «راجياً فيها منحي العلاوة التي ينص عليها القانون الأساسي للعاملين في الدولة المادة 29 الفقرات (أ-1، ب، جـ، د، هـ)، على اعتبار أن الحصول على العلاوة يتم بتشكيل لجنة لتقدير قيمة العلاوة «من 6 إلى 24%»، وليس مهمتها تقييم الاختراع «الذي حصلت عليه سلفا» أسوةً بباقي المخترعين العاملين في مؤسسات القطاع العام، إلا أن ما قام به المعنيون في المؤسسة خلال السنة والنصف الأخيرة، هو:

 أولا: أجرت مديرية الموارد البشرية مراسلاتٍ إلى الشركة العامة للفوسفات والمناجم، ومديرية المشاريع التعدينية في إجراءات لا علاقة لها بالموضوع المذكور، ومن ثم طلبت المديرية المذكورة تقييماً علمياً، فقدمت لها واحداً صادراً عن كلية الهندسة الكيميائية والبترولية في جامعة البعث، ولم يحصل أي تقدم ملموس في مجمل الأمر.

 ثانيا: بعد ذلك، تقدّمْتُ بطلبٍ إلى السيد المدير العام شارحاً الحالة برمتها، وراجياً الموافقة على إحالة موضوعي إلى مديرية الرقابة الداخلية في آذار الماضي لتحديد المسؤوليات، فما كان من المدير القانوني «الجيولوجي» في المؤسسة «والذي كان مديراً للموارد البشرية حين عرقل طلبي للمرة الأولى» إلا أن قام بعرقلته للمرة الثانية من موقع آخر ومن إدارة أخرى هذه المرة، فأعد كتاباً «بالاتفاق مع المدير القانوني للوزارة من وزير النفط والثروة المعدنية» وجهه إلى وزارة التعليم العالي «بعد سنة ونصف السنة على كتابي الأول»، ومضمونه «التساؤل عن ملكية الاختراع، وعن حقوق المخترع. وما حقوقه إذا كان قد توصّل إلى الاختراع خلال إيفاده؟!.. لأدخل من جديد في بوابة المجهول مع التعليم العالي.

 ثالثا: السيد معاون وزير التعليم العالي رد على الكتاب بآخر خلاصته أن «الاختراع الذي يخترعه الموفد خلال إيفاده تعود ملكيته للموفد وللدولة مناصفةً ويسجل باسم الموفد ويعطى تعويضاً مالياً مقطوعاً تضاف له نفقات تسجيل البراءة وحمايتها، تقدر في لجنة فنية يصدر بتأليفها قرار رئيس اللجنة العليا- وزير التعليم العالي»، ليصلني عقبه كتاب من مديري العام عن طريق مديري المباشر، راغباً فيه تبليغي بمراجعة وزارة التعليم العالي- مديرية البعثات العلمية لمعالجة الموضوع المطروح.

 رابعا: وبالفعل قمت في نهاية نيسان الماضي بتقديم طلب إلى مديرية البعثات العلمية، ووعدتني السيدة المديرة بمطالعة الموضوع مع الوزير التعليم، وبعد أكثر من شهرين راجعتهم مراراً، وأخيراً اتصلْت بهم فأخبروني بأن طلبي رُفِض.

أخبار ذات صلة



0 التعليقات for لمن يهتم.. ابتكار محلي يعظم جدوى صناعة الفوسفات السوري لعشرات الأضعاف

إرسال تعليق

أدخل بريدك واشترك معنا بالنشرة الإخبارية:


.

syria a2z news (c) 2011 All Rights Reserved